30

نص السؤال:

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم أحييك بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيدي وشيخي ومرشدي وقرة عيني. وعلى جميع العاملين على هذا الموقع المبارك. مبارك عليكم الشهر الفضيل وبلغكم الله تعالى ليلة القدر بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

السؤال هو بالنسبة للعاملات الأجنبيات اللواتي على غير ملة الإسلام وأغلبهنّ نصرانيات فهل يحلّ أنْ أكشف عمّا يظهر مني أمامهنّ إلا ما حرّم الله أكيد؟ وهل يجوز تقبيلها وشكرها بعدما تؤدي عملها من باب الإحسان للغير وإعطاء صورة طيبة عن الإسلام أم لا؟

ولكم من الخادمة جزيل الشكر والتقدير والاحترام.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

الاسم: أم محمد

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

حفظكم سبحانه، وضاعف لكم الحسنات، ورفع لكم الدرجات.

الجواب باختصار:-

تعدّدت آراء العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم في هذه المسألة على أقوال، الراجح منها أنّ عورة المسلمة أمام غير المسلمة هو ما تظهره المرأة على محارمها مثل الذراع والساق والرأس.

أمّا من حيث التعامل معهم فقد أمر الشرع الشريف بمعاملة الخدم بالحسنى، وهذه الخادمة هي من أهل الذمّة وهم مستأمنون في شريعتنا الغرّاء.

التفصيل:-

تعدّدت آراء العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم في حدود عورة المرأة المسلمة أمام غير المسلمة بناء على اجتهادهم في فهم الآية الكريمة:-

{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ —} [سورة النور: 31].

فقد ذكروا عن معنى قوله عزّ شأنه (أَو نِسَائِهِنَّ) أقوالا:-

الأوّل:-

حكم غير المسلمة كحكم المسلمة في حدود العورة وهي كعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة، وهو قول عند السادة الحنفية ومذهب السادة الحنابلة ووجه عند السادة الشافعية رضي الله تعالى عنهم وعنكم. حاشية الإمام ابن عابدين (6/382)، الإنصاف (8/24)، مغني المحتاج (3/132).

ووجه الدلالة عندهم على هذا القول:-

عن أم المؤمنين سيّدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:-

(دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقالَتَا: إنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، قالَتْ: فَكَذَّبْتُهُما وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عَجُوزَيْنِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، فَقالَ: صَدَقَتَا، إنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ قالَتْ: فَما رَأَيْتُهُ، بَعْدُ في صَلَاةٍ إلَّا يَتَعَوَّذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ. [وفي رواية]: وَما صَلَّى صَلَاةً بَعْدَ ذلكَ إلَّا سَمِعْتُهُ يَتَعَوَّذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ) الإمام البخاري رحمه البخاري سبحانه.

فكانت نِساء أهلِ الكتابِ يَدخُلْنَ على أمهَّاتِ المُؤمِنينَ رضي الله تعالى عنهنّ، ولم يُنقَلْ الأمر بالاحتجابِ مِنهنَّ.

الثاني:-

على المرأة المسلمة أنْ تحتجب عن غير المسلمة إلّا لحاجة أو ضرورة، وهو قول السادة الحنفية والمالكية والأصح من مذهب السادة الشافعية ورواية عن السادة الحنابلة رضي الله تعالى عنهم وعنكم. حاشية الإمام ابن عابدين (6/371)، مغني المحتاج (3/131)، المغني (7/464)، بلغة السالك لأقرب المسالك (1/192).

القول الثالث:-

ما يظهر غالبا عند خدمة البيت وهو ما ينكشف أمام محارمها مثل الساق والذراع والرأس. الموسوعة الفقهية (32/40).

والرأي الراجح هو الرأي الأخير وذلك لأنّه أقرب إلى النصّ القرآني في قوله جلّ جلاله (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) والذي يظهر عادة أمام محارمها هو الذراع والساق والرأس.

أمّا عن كيفية التعامل مع غير المسلمين فقد جعل القرآن الكريم القاعدة في التعامل معهم من غير المحاربين هي قوله جلّت عظمته:-

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة: 8].

ومعنى الآية الكريمة أنّه لا مانع من التعامل معهم بحسن الخلق والبرّ والقسط (العدل)، فالمسلم لا يكره الكافر وإنّما يكره كفره، فلا مانع من شكرها وتقبيلها عندما تنجز من العمل ما يدخل السرور على ربة المنزل.

بل قد أباح الإسلام الزواج من الكتابيات وما ذلك إلّا من أجل حسن الصلة بما يليّن القلوب ويعزّز التعارف بين الشعوب ويعطي انطباعا حقيقيا عن الإسلام الذي تمّ تشويه صورته من قبل أعدائه.

ولنا في سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم أسوة حسنة في تعامله مع الخدم وتوجيه المسلمين أيضا في ذلك.

فعن سيّدنا أبي مسعود البدري رضي الله تعالى عنه قال:-

(كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا) الإمام مسلم رحمه المنعم سبحانه.

وزاد في رواية فقال:-

(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ) الإمام مسلم رحمه الله جلّ في علاه.

وقال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) الإمام البخاري رحمه الباري عزّ شأنه.

ومعنى خولكم أي يُخوَّلُون أمورَكم بمعنى يُصلِحونها.

وقال في رواية أخرى:-

(مَنْ لَاءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاَكْسُوهُ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ، فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ) الإمام أبو داود رحمه الودود تقدّست أسماؤه.

ومعنى (وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ) أي لا تضربوهم إنْ تقاعسوا عن عملهم بل استبدلوهم.

ولم يفرّق الحديث الشريف بين أنْ يكون الخدم من المسلمين أو من غيرهم، فقد كان لحضرة النبيّ صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه، خادمٌ يهوديّ.

عن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:-

(أَنَّ غُلَامًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ، فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد جلّ جلاله.

ولم يكن صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم يوبّخ خادمًا إنْ رأى منه ما يكرهه.

فعن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله سبحانه عنه قال:-

(خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ) الإمام البخاري رحمه الله عزّ وجلّ.

بل جعل حرمان العامل من أجرته أو اقتطاعها كبيرة من الكبائر فقال:-

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ) الإمام البخاري رحمه الباري جلّ وعلا.

ومعنى قوله (أَعْطَى بِي) أي عاهد باسمي وحلف.

كما إنّ تأخير أجرته داخل فيما حذّر منه عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام بقوله:-

(مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ) الإمام البخاري رحمه الله جلّ ذكره.

فإنْ رأت هذه الخادمة منكِ حسن التعامل والعدل فذلك يعكس صورة جميلة وحقيقية عن الإسلام، وإنْ سنحت لكِ الفرصة في مناسبة معينة أنْ تشرحي لها هذه النصوص الشريفة في التعامل مع الخدم، وتبيّني لها تعاليم الإسلام التي قد تكون صورتها مشوهة في ذهنها فلربما كانت هدايتها على يديكِ المباركة، فقد قال الرحمة المهداة صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم مخاطبا سيّدنا عليًّا رضي الله تعالى عنه:-

(فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) متفق عليه.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم، على نبيّنا محمّد سيّد العرب والعجمّ، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.