2022-08-25

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رجل يعمل شرطيا ولديه خلافات مع أبناء عمّه، وعندما جاء من عمله أطلق ابن عمه عليه الرصاص وقتله… هل يعتبر هذا شهيدا؟

 

الاسم: سائل

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أسأل الله جلّ في علاه أنْ يبارك لك ولجميع المسلمين في طاعاتكم وأوقاتكم وأهليكم ويجعلكم منارات للهدى والتقى إنّه سبحانه سميع مجيب.

الجواب باختصار:-

لابن عمك رحمه الله تعالى أجر شهيد لكن يغسّل ويكفّن ويُصلّى عليه.

التفصيل:-

أسأل الله عزّ شأنه أنْ يتغمّد ابن عمّك وسائر موتى المسلمين برحمته ويسكنهم فسيح جناته، إنّه سبحانه أرحم الراحمين.

إنّه لأمر محزن أنْ ينحدر المسلمون في أخلاقهم وتعاملاتهم مع بعضهم إلى هذا الحضيض الذي يجعل الواحد منهم يقتل رحمه وابن عمّه جرّاء خلافات عائلية.

والسبب في كلّ هذا:-

غفلة قلوبهم عن علّام الغيوب جلّ جلاله، وتعلّقهم بالدنيا الفانية، وتجاهلهم بما توعّد به الله جلّ وعلا لمَنْ قتل نفسا ظلما وعدوانا.

قال عزّ من قائل:-

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 93].

فتدّبروا الآية الكريمة بعُمْقٍ وَتَركيز، فما حال مَنْ كان جزاؤه:-

1- جهنّم (عياذا بالله تعالى).               2- خالدًا فيها.

3- غضب الله عزّ وجلّ عليه.             4- لعنه.

5- أعدّ له عذابا عظيما.

وقال حضرة سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

أي لا يزال منشرحَ الصدر، مطمئنَ النفس، في سعة من رحمة الله عزّ وجلّ ما لم يقتل نفسا بغير حق، فإنْ فعل ذلك، ضاقت عليه المسالك، وأورد نفسه المهالك.

أمّا ابن عمّك المقتول رحمه الله تعالى فإنّ له أجر الشهادة لكنّه لا يعتبر شهيدا بالمعنى الشرعيّ.

لأنّ الشهيد في الشريعة الغرّاء:-

هو مَنْ قُتِلَ في أرض المعركة مع الكفّار، وله أحكام خاصّة، منها:-

لا يغسّل، يكفّن بثيابه التي استشهد فيها، وتعدّدت آراء الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم الصلاة عليه.

جاء في الموسوعة الفقهية:-

(أَثَرُ الْقَتْل ظُلْمًا فِي شَهَادَةِ الْمَقْتُول:-

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمَقْتُول بِأَنَّهُ شَهِيدٌ، وَيُقْصَدُ بِهِ غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَمِنْ صُوَرِ الْقَتْل ظُلْمًا: قَتِيلُ اللُّصُوصِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ، أَوْ مَنْ قُتِل مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْل الذِّمَّةِ، أَوْ مَنْ قُتِل دُونَ مَظْلَمَةٍ، أَوْ مَاتَ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حُبِسَ ظُلْمًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهِ شَهِيدَ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، أَوْ شَهِيدَ الآْخِرَةِ فَقَطْ؟

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ مَنْ قُتِل ظُلْمًا يُعْتَبَرُ شَهِيدَ الآْخِرَةِ فَقَطْ، لَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ مَعَ الْكُفَّارِ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ، وَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ فِي الدُّنْيَا، فَيُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِلَى أَنَّ مَنْ قُتِل ظُلْمًا فَهُوَ شَهِيدٌ يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فِي أَنَّهُ لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، لِقَوْل سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُول مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَلأِنَّهُمْ مَقْتُولُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَشْبَهُوا مَنْ قَتَلَهُمُ الْكُفَّارُ) الموسوعة الفقهية الكويتية (29/174).

والراجح هو قول الجمهور رحمهم الودود الغفور عزّ شأنه.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.