3/6/2023

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة وبركاته.

شيخنا الجليل حفظكم الله لنا أسوة وسندا.

بعد السؤال عن صحتكم وطيب خاطركم عندي سؤال:-

عندنا أسواق غذائية للمفرد، ودوما نواجه أناسا تمتد أيديهم بالسرقة، وتتفاوت قيمة المسروقات من أشياء بسيطة إلى أشياء أخرى ثمينة، ويتم إمساكهم ولا نستطيع تسليمهم إلى الشرطة حفاظًا على سمعتهم وسمعة عوائلهم، فما هي الطريقة الرادعة لهم علمًا أنّ بعضهم عندما نمسكه يتبيّن أنه سرقنا مرّات عدة؟

ولكم جزيل الشكر والامتنان، نتمنى أن يجمعنا الله تعالى بحضرتكم ونكحل أعيننا برؤية طلعتكم البهية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

الاسم: سائل

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أشكرك على تواصلك مع هذا الموقع الميمون، ودعواتك الطيّبة، وسؤالكم عن صحّة الفقير إلى المولى القدير جلّ جلاله، وأسأله سبحانه أنْ يجمعنا وإيّاكم على طاعته ومحبته.

الجواب باختصار:-

إنَّ السرقة عملٌ مذموم في الشريعة الغرّاء فلا تجوز، وعلى السارق أنْ يرد المسروقات إلى أصحابها، ويتوب إلى الله جلّ في علاه.

التفصيل:-

ينبغي أنْ يُعلم أنَّ الشريعة الإسلامية جاءت لحفظ الضروريات الخمس، ومنها المال، وحدَّتْ حدودًا وشرّعت أحكامًا، وحذّرت أيّما تحذير من هذا الفعل المشين؛ لصيانة الأموال من أجل نشر وإرساء قواعد الأمن والطمأنينة في المجتمع وحفظ أموال الناس، وأنَّ هذه الدنيا دار الغرور، قال الله عزّ شأنه:-

{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [سورة غافر: 39].

فلماذا يعرّض الإنسان نفسه للمساءلة والعقوبة، وقد وهبه الله جلَّ وعلا الصحة والعافية؟!

فبما أنّه مُسِكَ به متلبّسًا بهذا الفعل وأقرَّ على نفسه، وتبيّن أنّه تكرّر منه أكثر من مرّة، وأنّ الأموال المسروقة كبيرة كما ذكرتم، فينبغي عدم السكوت عليه؛ لأنّه (مَنْ أَمِنَ العُقُوْبَةَ أَسَاءَ الأَدَبَ).

فأقول لك أيّها المبارك:-

أنت بين ثلاثة أمور:-

أ‌- إمّا أنْ تقدّمه إلى الجهات المعنيّة وهم يقومون بعملهم تجاهه من الناحية القانونية.

 

ب- وإمَّا أنْ تعفو عنه عملا بنصوص الكتاب العزيز والسنّة النبوية المطهّرة، قال عزّ من قائل:-

{— وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة: 237].

وقال سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد تقدّست أسماؤه.

لكن لا عن ضعف أو خوف، وإنّما تُبَيِّنُ له حجم الجرم الذي قام به وأنّه الآن تحت المسائلة الشرعية وطائلة القانون.

وتقول له أيضًا: أنا باستطاعتي أنْ أتصل بالشرطة ومن ثمَّ تتحمّل عواقب ما فعلت، لكنّني سأعفو عنك لله تعالى، ولعلّك تهتدي، وتُعْلِمُهُ أنّكم قد وثّقتم ما قام به من سرقات من خلال كامرات المراقبة ولم تمسكوا به في المرّات السابقة لأنكم تأملتم أنْ يرتدع ويتوب إلى الله عزّ وجلّ لكنّه لم يفعل بل تمادى فوجب الإمساك به.

 

ج- تتواصل مع أهله وتشعرهم بأنّك قد تلجأ إلى العرف العشائري، وتطلعهم على ما فعل وتأخذ حقك منهم، وهم يقومون بتأديبه وتأنيبه.

ولا بأس بوضع لائحات في الأسواق تدعو إلى العفّة وتذكّر بالقيام بين يدي الله سبحانه، كآيات كريمة وأحاديث شريفة وأقوال الصالحين رضي الله تعالى عنهم وعنكم وأبيات شعر مكتوبة.

قال جلّ ذكره:-

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 273].

وعن سيّدنا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه:-

(أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ: مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

قال الإمام الماورديّ رحمه الله جلّ وعلا:-

(إِنَّ دِيْنَ المَرْءِ يُفْضِي إِلَى السّتْرِ وَالعَفَافِ، وَيُؤَدِّي إِلَى القَنَاعَةِ وَالكَفَافِ) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/2888).

ورحم الله تعالى القائل:-

لَا تَخْضَعَـنَّ لِمَخْلُوْقٍ عَلَى طَمَعٍ *** فَإِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْكَ فِي الدِّيْنِ

لَنْ يَقْدِرَ العَبْدُ أَنْ يُعْطِيَكَ خَرْدَلَةً *** إِلَّا بِإِذْنِ الّذِي سَوَّاكَ مِنْ طِيْنِ

فَلَا تُصَاحِبْ غَـنِـيًّا تَسْـتَـعِـزُّ بِهِ *** وَكُنْ عَفِيْفًا وَعَظِّمْ حُرْمَةَ الدِّيْنِ

وَاسْـتَـرْزِقِ اللهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ *** فَإِنَّ رِزْقَـكَ بَيْنَ الكَافِ وَالنُّـوْنِ

 

ويُمكن عمل ذلك من خلال الشاشات الإلكترونية، فهو أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ أهل الأسواق غالبا في غفلة، فيحتاج الإنسان إلى ما يربطه بربه وخالقه جلّ جلاله، علَّه يكون نوع ردع وتذكير له؛ لأنَّ الإنسان مجبول على النسيان.

والله جلّ وعلا الموفق إلى طريق الهداية والمنجي من طريقة الغواية، وهو سبحانه أعلم وأحكم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.