16/11/2023

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل.

سؤالي هو:-

هل يجوز للمرأة أنْ تمصّ عورة زوجها، خاصة إذا كان زوجها يطلب منها ذلك؟

 

الاسم: سائل

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

سُررت بتواصلكم مع هذا الموقع الميمون، وأسأل الله جلّ جلاله لكم التوفيق والسداد إنّه سبحانه رؤوف بالعباد.

الجواب باختصار:ـ

تركه أحوط ديانة، وأولى ذوقًا وصحّة لأنّه مظنّة لدخول النجاسة وحدوث الأمراض، ومشابهة لفعل أهل الغفلات والشهوات المنحرفة، ومجافاة عن الفطرة السليمة والأذواق الراقية والهمم العالية.

التفصيل:ـ

قبل البدء بالجواب من المهمّ أنْ أنبّه أنّ شريعتنا الغرّاء لا تقتصر على ما يجوز وما لا يجوز من الأقوال والتصرّفات، فهناك دائرة واسعة في الإحسان ومكارم المروءة والأخلاق ومعالي الهمم والشيم تجعل من المسلم والمسلمة شخصية راقية ظاهرًا وباطنًا، بعيدًا عن سفاسف الأمور، تاركًا لدناءة الطباع ونوازغ النفوس الأمّارة بالسوء.

قال عزّ شأنه في محكم كتابه العزيز:ـ

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].

ومن أبعاد هذه المودة والرحمة أنْ جعل الله تعالى القرب بين الزوجين على نحو وصفه سبحانه بقوله:ـ

{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [سورة البقرة: 178].

وعلى وفق ذلك فيجوز لكلّ من الزوجين أنْ يستمتع بجسد الآخر لكن بضوابط حدّدها الشرع الشريف، قال عزّ وجلّ:ـ

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [سورة البقرة: 223].

قال علماء التفسير رحمهم الله تعالى:ـ

(يَأْتِيْهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَكُنْ يَأْتِيْهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي الحَيْضِ) تفسير الإمام الطبري رحمه الله جلّ وعلا (4/ 398).

إنّ الآية الكريمة اشتملت على أحكام هي:ـ

1- تحريم إتيان المرأة في دبرها، فهذا كبيرة من الكبائر، وهو نوع من اللواط نعوذ بالله جلّ في علاه.

2- إتيان المرأة في قبلها وهي حائض، لقوله جلّ ذكره:-

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: 222].

والمقصود اعتزال جِماعهنَّ، وكذا في النفاس حتى تطهر وتغتسل.

وممّا ينبغي مراعاته بين الزوجين أنْ تكون المعاشرة والاستمتاع بينهما في حدود آداب الإسلام ومكارم الأخلاق، وما ذُكر في السؤال لم يرد فيه نصٌّ صريح، غير أنّه مخالف للآداب الرفيعة، والأخلاق النبيلة، ومناف لأذواق الفطر السوية، ولذلك فالأحوط تركه، إضافة إلى أنّ فعله مظنّة ملابسة النجاسة، وما يترتب عليها من ابتلاعها مع الريق عادة أمر محرّم، وقد يُقذف المنيّ أو المذيّ في فم المرأة فتتأذى به، ولقد ذكرت قوله عزّ من قائل:ـ

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: 222].

أي المتنزهين عن الأقذار والأذى وما يأنفه الذوق السليم، خاصّة وقد يترتب عليه حصول بعض الأمراض لا قدر الله تبارك اسمه.

ولا يليق باللسان الذي ينبغي أنْ يكون رطبًا بذكر الله تعالى أنْ يباشر النجاسة، وفيما أذن الله جلّ وعلا فيه من المتعة فسحة لمَنْ سلمت فطرته وسمت همّته في الخير.

والمظنّة ههنا تنزل حكم (المئنّة) أي اليقين كما يقول الفقهاء رحمهم الله جلّ جلاله، فيحرم من هذا الوجه، والشرع الشريف قد جاء بسد الذرائع، خصوصًا وأنّ فيه تشبّهًا بالكفرة وأهل المجون الذين لا همَّ لهم إلّا التلذّذ بالشهوات على نحو شاذ وفاجر ممّا يجعل مَنْ يعتاد على ذلك لا يكتفي به بل يتعدّاه إلى شيء آخر أكثر شذوذًا وقذارةً كما يحصل اليوم من انتشار المثلية واكتفاء الذكور بالذكور والإناث بالإناث، وقد قال حضرة النبيّ الكريم صاحب الخُلق العظيم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:ـ

(وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) الإمام أحمد رحمه الله الأمجد سبحانه.

ولقد ذكر العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم حديثاً عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وعنكم فيه بيان كمال أدب النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم وأدبها في حال الجماع وغيره، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله جلّ في علاه:-

(وَيُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ فَإِنَّ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: مَا رَأَيْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَآهُ مِنِّي) المغني (7/101).

وقد يكون في سند الحديث الشريف المذكور آنفًا ضعف إلّا أنّ هناك روايات أخرى تعضده؛ فَعَنْ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ:-

(كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم يَغْتَسِلُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَمَا رُئِيَ عَوْرَتُهُ قَطُّ) الإمام البزار رحمه العزيز الغفّار جلّ جلاله، والحديث الشريف إسناده حسن.

فهذا خُلق سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، فأين هذا ممّا تمّ وصفه في السؤال؟!

وكيف يقوم المرء بهذا العمل الذي هو هبوطٌ بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، بل حتى بعض الحيوانات تأنف منه.

وأنصح المسلمين والمسلمات بمصاحبة الصالحين والصالحات أصحاب الهمم العالية والغايات النبيلة السامية حتّى ترتفع معهم الهمم وتسمو لطلب المقاصد الرفيعة ممّا يجعل العقل والقلب ينشغلان بما هو أرقى وأسمى وألذّ، ويترفعان عمّا هو خسيس وهابط من الأقوال والتصرّفات والغايات.

والله تقدّست أسماؤه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وأنعم على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم.