22/3/2024

نص السؤال:-

ما عقوبة سرقة الأعضاء البشرية من الأحياء؟

 

الاسم: سائل

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

حفظكم الله سبحانه، وضاعف لكم الحسنات، ورفع لكم الدرجات، وأجاب لكم الدعوات، وأشكركم على زيارتكم لهذا الموقع الكريم.

الجواب باختصار:-

إنّ هذا الفعل الشنيع محرّم، ويعدّ من أبشع الجرائم لأنّه يدلّ على انتكاس الفطرة الإنسانية.

التفصيل:-

لقد بيّنت النصوص الشريفة حكم السرقة وعقوبتها،

قال الحقّ جلّ وعلا:-

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: 38].

وَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وعنكم :-

(أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

هذا فيمَنْ سرق مالًا يمكن أنْ يُعوّضَ، فكيف بالذي يسرق عضوا من آدميّ لا عوض له؟ وكرامة الإنسان عند الله جلّ في علاه أعظم من كرامة المال، قال عزّ وجلّ:-

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [سورة الإسراء: 70].

ولهذا قرّر علماء الإسلام رضي الله تعالى عنهم وعنكم أنّ ضرورة حفظ النفس مقدّمة على ضرورة حفظ المال.

ولأجل أنْ تتجلّى هذه الحقيقة للأنام،

قال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) الإمام البخاري رحمه الباري عزّ شأنه.

فإذا كان الله جلّ ذكره خصمًا لمَنْ باع حرًّا فأكل ثمنه، فكيف بالذي يسرق عضوا من أعضائه وهو حيّ؟

إذًا: هذا الفعل يعدّ من أبشع جرائم السرقة في هذا العصر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

أمّا عقوبة مرتكب هذه الجريمة فبحسب ما يترتب عليها من آثار، فإنْ أدّى سرقة العضو إلى الموت، قتل الجاني قصاصًا، أو يرضى أهل المجني عليه بالديّة،

قال الحقّ جلّ جلاله:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 178 – 179].

وقال سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

وقال عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين:-

(مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ، أَوْ يَعْفُوَ، فَإِنْ أَرَادَ رَابِعَةً فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَدَا بَعْدُ فَقَتَلَ فَلَهُ النَّارُ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد جلّت صفاته.

أَيِ: مَنِ ابْتُلِيَ بِقَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ (أَوْ خَبْلٍ) وَهُوَ الْجُرْحُ، وَفَسَادُ الْأَعْضَاءِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ، (بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ) أَيْ يَقْتَادُ مِنْ خَصْمِهِ، (أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ) أَيِ الدِّيَةَ، (أَوْ يَعْفُوَ)، (فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ) أَيِ إذَا أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثِ (فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ) أَيِ امْنَعُوهُ عَنْهَا، فَإِذَا تَعَدَّى فَقَتَلَ فَلَهُ النَّارُ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًامرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/2275) بتصرّف.

أمّا إذا كانت الجناية دون النفس فعقوبتها تختلف باختلاف العضو المتلف، وبسط القول في هذا يطول لذا سأكتفي بما ذكره الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله تعالى إذ قال:-

(وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مُطْلَقًا فَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهَا، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مُطْلَقًا أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ:

أَحَدُهَا: إبَانَةُ الْأَطْرَافِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الْأَطْرَافِ.

وَالثَّانِي: إذْهَابُ مَعَانِي الْأَطْرَافِ مَعَ إبْقَاءِ أَعْيَانِهَا.

وَالثَّالِثُ: الشِّجَاجُ.

وَالرَّابِعُ: الْجِرَاحُ.

أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَقَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ وَالظُّفْرِ وَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالشَّفَةِ وَفَقْءُ الْعَيْنَيْنِ وَقَطْعُ الْأَشْفَارِ وَالْأَجْفَانِ وَقَلْعُ الْأَسْنَانِ وَكَسْرُهَا وَحَلْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَتَفْوِيتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْكَلَامِ وَالْجِمَاعِ وَالْإِيلَادِ وَالْبَطْشِ وَالْمَشْيِ، وَتَغَيُّرُ لَوْنِ السِّنِّ إلَى السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَنَحْوِهَا مَعَ قِيَامِ الْمَحَالِّ الَّذِي تَقُومُ بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي، وَيُلْحَقُ بِهَذَا الْفَصْلِ إذْهَابُ الْعَقْلِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ: فَالشِّجَاجُ أَحَدَ عَشَرَ أَوَّلُهَا: الْخَارِصَةُ، ثُمَّ الدَّامِعَةُ، ثُمَّ الدَّامِيَةُ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ، ثُمَّ الْمُوضِحَةُ، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، ثُمَّ الْآمَّةُ، ثُمَّ الدَّامِغَةُ.

(وَأَمَّا) النَّوْعُ الرَّابِعُ فَالْجِرَاحُ نَوْعَانِ: جَائِفَةٌ وَغَيْرُ جَائِفَةٍ.

فَالْجَائِفَةُ: هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي تَنْفُذُ الْجِرَاحَةُ مِنْهَا إلَى الْجَوْفِ: هِيَ الصَّدْرُ، وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَالْجَنْبَانِ، وَمَا بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ، وَلَا تَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَا فِي الرَّقَبَةِ وَالْحَلْقِ.

وَغَيْرُ الجَائِفَةِ: هِيَ التِي لَا تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/296) بتصرّف.

ولكلّ واحدة من هذه الجنايات عقوبة تفصيلها في كتب الفقه، قال الإمام الكاساني رحمه الله جلّ جلاله:-

(وَأَمَّا أَحْكَامُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مُخْتَلِفَةُ الْأَحْكَامِ (مِنْهَا): مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ (وَمِنْهَا) مَا يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/297).

ومعنى الأرش: الشَّجَّة وَنَحْوهَا وديّة الْجراحَة. المعجم الوسيط (1/13).

وفي الختام لا بدّ من القول:-

إنّ وصول الإنسان إلى ارتكاب مثل هذه الانتهاكات البشعة في حقّ أخيه الإنسان، سواء كانت كوادر طبيّة أو عصابات إجرامية، يعدّ دليلا واضحا على انتكاس الفِطَر، وتلوّث الفِكَر، ونزول هؤلاء البشر، إلى دون رتبة الحيوانية، لذا أؤكّد على ضرورة ارتباط النّاس بالعلماء الربانيين، ورثة حضرة خاتم النبيّين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين، لتزكية نفوسهم الأمّارة بالسوء والارتقاء بها إلى مصافّ عباد الله الصالحين المصلحين بتوفيق من الله ربّ العالمين جلّ جلاله وعمّ نواله.

ولمعرفة المزيد عن هذا الأمر الرشيد، أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1477) في هذا الموقع الأغرّ.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّد الأنبياء، وإمام الأصفياء، نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه الأتقياء.