11/1/2010
السؤال:
شيخي الحبيب زادكم الله رفعة ونفع بكم المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
عندي سؤال: هل القاتل العمد خالد في النار؟
المحب عبد العزيز المشهداني
الـرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله تعالى خيراً على دعواتك المخلصة، وبعد..
أقسّم أحوال القاتل المتعمد إلى ثلاثة: 1- قاتل مستحل. 2- قاتل غر مستحل تائب. 3- قاتل غير مستحل غير تائب.
1- قاتل مستحل: أي يعتقد القتل حلالاً فهو مخلد في النار تأبيداً بالإضافة إلى العقوبات المذكورة في نصوص الكتاب والسنة كقول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء 93، فهنا نجد ألواناً من العذاب، جهنم، خلود في النار، غضب من الله تعالى، لعنة منه سبحانه، إعداد من الله تعالى لعذاب عظيم، فجهنم مع بشاعتها ليست كل العذاب، بعض الناس يتصورون أن جهنم هي العذاب فحسب ويغفلون عن ألوان من الأهوال تكون فيها، ففي الحياة الدنيا نسمع بالحبس فنظنه كل شيء لكن عندما نسمع وقد نرى ما يحصل للمحبوس من الإهانات وألوان التعذيب وما خفي أعظم -كما يقال- نعلم أن في الحبس ما هو شر منه، وهنا كذلك، وكقول الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الأنعام 151، وكقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء) البخاري ومسلم وآخرون رحمهم الله تعالى. وقوله: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ) الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وإنما قلت (تأبيداً) لأن القاتل المتعمد المستحل للقتل سبق منه إصرار بحيث عاش الجريمة قلباً وقالباً فخطط ورتب وفكر وقدر ثم قتل وكان المتوقع منه أن يراجع وازعه الديني ويستذكر قدرة الله تعالى عليه في فترة التخطيط والإعداد إلا أنه ما فعل، ولو تذكر لترك القتل، وما دام غاب عن الله تعالى فالله عز وجل يغيبه عن رحمته، ومن ثَمّ حذر سبحانه وتعالى من هذه الحالة فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الحشر 19. فلأجل استحلاله لما حرم الله تعالى يحكم عليه بالخلود الأبدي لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
2- قاتل غير مستحل تاب توبة نصوحا: فإنه مغفور له كما تدل النصوص، قال ربنا عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} النساء 48، ولا شك أن القتل دون الشرك بالله تعالى جرماً، وكذلك الحديث الشريف المشهور الذي يورد قصة الذي قتل 99 نفساً وأراد أن يتوب..، ما يدل أن الله تعالى يقبل توبة القاتل إن كانت صادقة، ومن الصدق في التوبة الحصول على براءة الذمة من أولياء المقتول بأي وسيلة شرعية كانت، وله بعد ذلك أن يتطلع إلى رحمة الله عز وجل في تبديل سيئاته التي تاب منها حسنات. {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} الفرقان 68-70.
3– قاتل غير مستحل لم يتب: فهذا عقوبته شديدة وهي الخلود في جهنم ولكن ليس بوصف التأبيد، قال جل جلاله وعم نواله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء 93، إذ الخلود المذكور في هذه الآية والآيات التي تشابهها في الموضوع يعني الفترات الطويلة -كما جرت عليه عادة العرب في كلامهم- قال تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} الأنعام 128. وكذلك أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي تدل على أن المسلم مهما بلغ عظم جرمه وطال مكوثه في النار لا بد أن يخرج منها، فقد قال صاحب الشفاعة العظمى عليه الصلاة والسلام: (آتي تحت العرش وأخرّ لله ساجداً ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع، قال: فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود.. فذكر أربع مرات.. إلى أن قال: فيقول تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان، أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة، من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان) البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، فهذا الحديث واضح بأن المسلم يخرج من النار بعد أن يقضي عقوبته فيها مهما طالت. وكذلك حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) أبو داوود والترمذي رحمهما الله تعالى. إذ عدّ عليه الصلاة والسلام أهل الكبائر من أمته ولم يقطع نسبتهم عنها مما دل على أن مرتكبي الكبائر إن لم يستحلوها لا يخلدون في النار على التأبيد، إذ الخلود الأبدي فيها يكون للمنافقين والكفار والمشركين والعياذ بالله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.