28/8/2010
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الكريم حفظك الله ورعاك على كلّ ما تقدّمه لنا ممّا ينفعنا في دنيانا لآخرتنا.
سؤالي:-
ما حكم مَنْ جامع زوجته في يوم رمضان (خلال الصوم) إذا كان الشخص متعمدا أو جاهلا؟ بعض المراجع قالوا بأنّ عليه صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا، فهل ينبغي هذا على الشخصين معًا، أو على أحدهما من ناحية إطعام المساكين؟
أرجو من فضيلتك أنْ تبيّن لي الموضع من أكثر من ناحية، مثلًا إذا كان الشخص هذا مريضا ولا يقدر على صيام الشهرين. أو إذا كان فقيرًا ولا يقدر على إطعام 60 مسكينًا؟
عذرًا على طول السؤال لكن أملي أنْ أسمع الإفادة من فضيلتكم.
وجزاك الله عنا كل خير.
الاسم: إقبال
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
بارك الله جلّ وعلا فيك على مشاعرك ودعائك ولك بمثله.
الجماع في نهار رمضان كفّارته وضّحها الحديث الشريف الذي رواه سيدنا أبو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ:-
(بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ! قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ (وَهُوَ الزِّنْبِيْلُ الكَبِيْرُ) قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَ فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
فالجماع في نهار رمضان مفطّر بإجماع أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم لأنّ الصيام إمساك عن الطعام والشراب والشهوة، قال سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-
(يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي —) الإمام البخاري رحمه المتعالي جلّ جلاله.
وكفارته وضّحها الحديث الشريف وهي:
عتق رقبة، فإنْ لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
وهي ملزمة على الطرفين إنْ كان الأمر برضى الزوجة، أمّا إذا كانت مكرهة فالكفارة تلزم زوجها فقط ولكن عليها القضاء لفساد صومها.
فإذا لم يكن قادرًا على الصيام لمرضه الذي لا يرجى شفاؤه، ولا على الإطعام لفقره، فلا شيء عليه، كما وضّح الحديث الشريف.
أمّا إذا كان جاهلا، فللفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم في هذه المسألة قولان:-
الأوّل: لا كفّارة عليه.
الثاني: تجب عليه الكفّارة.
جاء في الموسوعة الفقهية:-
(لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْقُبُل مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلاً عَلَى قَوْلَيْنِ:-
الْقَوْل الأْوَّل: لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلاً.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَبِهِ قَال: إِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ وَالأْوْزَاعِيُّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالثَّوْرِيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [سورة الأحزاب: 5].
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:-
(إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) الإمام ابن ماجه رحمه الباري سبحانه.
الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلاً. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ الّذِي تَصَدَّرَ الجَوَابَ — وَقَالُوْا:-
فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَامِدًا أَمْ سَاهِيًا أَمْ جَاهِلاً أَمْ مُخْطِئًا مُخْتَارًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا، لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِل الأْعْرَابِيَّ وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لاَسْتَفْصَلَهُ، لأِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ، وَالسُّؤَال مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ، كَأَنَّهُ قَال: إِذَا وَاقَعْتَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَكَفِّرْ.
وَبِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَغَيْرُهُ كَالْحَجِّ.
وَبِأَنَّ إِفْسَادَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ حُكْمَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْجِمَاعِ، لاَ تُسْقِطُهُمَا الشُّبْهَةُ، فَاسْتَوَى فِيهِمَا الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ) الموسوعة الفقهية الكويتية (35/57 – 59) بتصّرف يسير.
والذي أرجّحه هو:-
لزوم الكفّارة لأنّ التعذّر بالجهل في الحكم غير مقبول بسبب تعلّقه بشعيرة عظيمة وركن من أركان الإسلام، لا سيما إذا كان السائل يعيش في بلد مسلم، والسؤال عنه وعن أمثاله من الأحكام متيسّر وفي متناول اليد، كيف لا ونحن في زمن التطوّر الإلكتروني وبالإمكان التعرّف على رأي الشرع الشريف وسؤال أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم، وعدم سؤاله لا يعفيه عن الحكم الشرعيّ المترتّب عليه، وهو الكفّارة.
قال الإمام النووي رحمه الله عزّ شأنه:-
(إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ) المجموع شرح المهذب (6/324).
وقال الإمام القرافي رحمه الله جلّ وعلا:-
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ:
اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالَاتٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالَاتٍ فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا وَضَابِطُ مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ الْجَهَالَاتِ الْجَهْلُ الَّذِي يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَادَةً، وَمَا لَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يَشُقُّ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ) أنوار البروق في أنواء الفروق (2/149).
والله تبارك اسمه أعلم.
وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والمجد.