6/9/2010
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تقبل الله طاعاتكم..
سيدي الفاضل أورد لكم النص الآتي وأعقبه بالأسئلة:
قال العارف الشعراني في المنن الكبرى ص279 ط دار الكتب العلمية:
.. وقد نقلت وصايا الأشياخ رضي الله تعالى عنهم بالنهي عن الأكل من كسب النساء في سائر الأقطار، ليرفعوا همة المريد عن مثل ذلك.. وأما ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذهب بأصحابه كل يوم جمعة إلى دار امرأة يأكلون عندها سلقاً تطبخه لهم، فهو لا يدخل في هذا الميزان؛ لأن كل ما في الدنيا ملك له بالأصالة!، وجميع الخلق يأكلون من رزقه صلى الله عليه وسلم!، وايضاً فإنه معصوم من تناول ما يحصل به نقص شيء من كماله صلى الله عليه وسلم، فافهم، اهـ.
السؤال الأول: هل يصح ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال الثاني: هل كل ما في الدنيا ملك لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالأصالة وأنَّ جميع الخلق يأكلون من رزقه صلى الله عليه وسلم كما أخبر الشيخ الشعراني رحمه الله؟
أرجو التوضيح..
الاسم: مصطفى

الـرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، تقبل الله عز وجل طاعاتكم،
قد يوجه الشيخ أو المرشد تلامذته أو أحدهم ببعض التوجيهات الخاصة لظروف معينة كأن يأمرهم ببعض العبادات أو تقييد بعض الأعمال المباحة كجزء من التربية التي يراها ويجتهد بها، ولا يمكن أن يكون توجيهاً عاماً للجميع، ومن هنا يذ كر الشيخ الشعراني رحمه الله تعالى توجيه بعض الأشياخ بالامتناع عن الأكل من كسب النساء، والمقصود أن يعيش الرجل في حياته على كسب امرأة وليس أن يضيف عندها أو يأكل من طعام أهدته إياه، والحديث المذكور هو الذي أخرجه البخاري رحمه الله تعالى ونصه (عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت منّا امرأة تجعل في مزرعة لها سِلقًا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق، فتجعله في قِدْر، ثم تجعل قبضة من شعير تطحنه، فتكون أصول السلق عرقه. قال سهل: كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرّب ذلك الطعام إلينا..) وهناك حديث آخر أخرجه أبو داود رحمه الله تعالى عن أم المنذر سلمى بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه عليّ عليه السلام، وعلي ناقِه [متماثل إلى الشفاء] ولنا دوالي معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام عليّ ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ: “مَهْ إنك ناقِهٌ” حتى كفّ عليّ عليه السلام. قالت: وصنعتُ شعيرًا وسِلقًا، فجئت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا علي أصِبْ من هذا فهو أنفع لك) وهذان الحديثان يدلّان على جواز الأكل من طعام المرأة وليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يجوز في بعض الأحيان أن يعتاش الرجل من كسب المرأة كأن يمر الزوج بظروف مالية صعبة فتعينه زوجته إن كان لها مال أو مصدر رزق مستقل، أو تعينه أخته أو أمه، ولا يخفى عليك أن أمنا خديجة رضي الله عنها قد واست سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بمالها، وهذا ما ذكره عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي ترويه أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ. قَالَتْ فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ) الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ولكن لا يليق بالرجل المتمكن أن يعتاد على ذلك.
أما القول بأن الدنيا ملك للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أصالة ففيه نظر لأن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تظاهرت على أن ملك السماوات والأرض هي لله تعالى جل جلاله وعم ونواله حيث قال في محكم كتابه {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} البقرة 107، وقال عزّ من قائل: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} البقرة 255، إلّا إذا كان المقصود بيان الفضل فنعم إن فضل رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وشرفه ومقداره العظيم لا تساويه أرض ولا سماء، فالله تبارك وتعالى خيّره بأن يجعل له بطحاء مكة ذهباً كما في الحديث (عرض على ربي ليجعل لى أرض بطحاء مكة ذهباً فقلت لا يا رب ولكن اشبع يوماً وأجوع يوماً فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك) الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله تعالى، وهذا هو المقصود من قول الإمام البوصيري رحمه الله تعالى:
وراودتْه الجبالُ الشمُ من ذهــبٍ          عن  نفسه  فأراها  أيما  شــــممِ
فالدنيا لا تساوي عند الله جل وعلا جناح بعوضة كما جاء في الحديث الشريف (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء) البغوي والطبراني في لفظ آخر رحمهما الله تعالى، ولو شاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له ربه عز وجل الجبال ذهباً لفعل.

والله سبحانه وتعالى أعلم.