2012/10/24

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم يا شيخنا الكريم أطال الله في عمركم وجزاكم الله كلّ خير وأدعو الله أنْ يحفظكم ويمد في عمرك اللهم آمين، وبعد:-

أحببت أنْ أسألكم: ما معنى الرابطة الشريفة المعنى الإجمالي لها، جزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاسم: حسام الدين

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك الله جلّ وعلا خيرًا على مشاعرك الطيبة ودعواتك الصادقة ولك بمثلها.

بشكل مختصر فإنّ الذي يؤمن بالروح والطاقات الروحية يعلم أن للروح تأثيرا في الجانب الإيجابي والسلبي.

أمّا الإيجابي: فيتعلق بأرواح الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والتسليم، والأولياء والصالحين رضي الله تعالى عنهم وعنكم، وكذلك الملائكة الكرام عليهم السلام، كما جاء في قول الله تبارك اسمه:-

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [سورة الأنفال: 12]

فعلى قول بعض التفاسير فإن التثبيت كان روحيا.

وأمّا في الجانب السلبي: فتأثير الشياطين وأهل الشعوذة والسحر والحسد على الإنسان.

وبالتالي فتوضيح الرابطة: هو الاستفادة من روحانية المرشد لأجل التقوّي على طاعة الله تعالى وإثراء القلب بالمعاني الإيمانية.

وهذا كلّه بإذن الله تبارك في علاه وبأمره جلّ جلاله وعمّ نواله إذ هو الذي يمنّ على المرشد بفضله ومنّه ومعونته، وهذه الدنيا هي دار الأسباب، فمن أسباب تقوية القلب على ذكر الربّ جلّ وعلا وطاعته هذه الاستفادة الروحية الموصوفة في أبحاث الرابطة والمنشورة في الموقع الكريم.

ومع هذا أرجو التأمّل فيما يلي:-

1- الرابطة الشريفة مسألة اجتهادية، وقد ذكرتُ ذلك في كتاب: الرابطة القلبية ص: 85، وأهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم ما زال يستدرك بعضهم على بعض في المسائل الشرعية في ظلال الحبّ والأخوة والتوقير والاحترام.

2- الحكم على الشيء فرع عن تصوّره، فالحكم على الرابطة الشريفة فرع عن تصوّر معناها، وبهذا أتفق أنّ تصوّر أي إنسان أثناء ذكر الله تقدّست ذاته لا قبله، ليس من الرابطة الشريفة التي أفهمها، لكنّه مشروع لأدلّة كثيرة، منها:-

أ- قال تعالى:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة المائدة: 11].

فأمر بذكر النعمة لأنّها تذكّر بالمنعم سبحانه، وربط هذا التذكّر بالفلاح فقال:-

{— فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة الأعراف: 69].

ب- {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [سورة ص: 45 – 48].

فذكر الذوات الشريفة تعميمٌ لفائدة تذكّر المخلوقين وأفعال الله عزّ وجلّ المتجسّدة في آلائه وأقداره للارتقاء إلى رياض ذكر ربّ العالمين جلّ جلاله.

ج- {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سورة الفاتحة: 6].

أيّ صراط هذا الذي نطلب من الله تعالى أنْ يهدينا إليه؟

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ —} [سورة الفاتحة: 7].

مَنْ هؤلاء الذين أنعم الله جلّ وعلا عليهم؟

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء: 69].

بل إنّ الله جلّ في علاه جوّز لنا ذكر الأشرار من البشر للعظة والعبرة وهما من مقاصد ذكر الله جلّ جلاله، فنذكر فرعون وقارون والنمرود وغيرهم وما صنع الله عزّ وجلّ بهم، قال سبحانه:-

{— وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سورة سيّدنا إبراهيم عليه السلام: 5].

وفي السنّة المطهّرة الكثير من الشواهد التي فيها ذكر للمخلوقين لأنّ ذلك وسيلة لذكر الخالق جلّ وعلا وتذكّر سننه في عباده سلبا وإيجابا، وأقول: المخلوقين، لأجل شمول الذكر لغير العقلاء أيضا مثل السموات والأرض والجبال وغيرها والتي يصل المتفكّر فيها إلى تذكّر خالقها والتفاعل مع عجائب قدرته فيها، ومن تلك النصوص الشريفة، قوله عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين:-

أ- (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) الإمام مسلم رحمه المنعم عزّ شأنه.

فهذا وأمثاله ممّا يعين تذكّره واستحضاره على الاندفاع في طريق التوبة والسير إلى الله جلّ في علاه، وإلا ما الفائدة من ذكره!؟

ب- (أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي – وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي – إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:-

(وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِنَ النَّقْصِ فِي الصَّلَاةِ بِرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمْ دُونَ تَحْذِيرِهِمْ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ الْمُبَيَّنِ فِي سُؤَالِ جِبْرِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، فَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِي التَّعْلِيلِ بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُم تَنْبِيهًا عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ فَإِنَّهُمْ إِذَا أَحْسَنُوا الصَّلَاةَ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَاهُمْ أَيْقَظَهُمْ ذَلِكَ إِلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى) فتح الباري (2/226).

ج- عَنْ سَيِّدِنَا سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ:-

(أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِحًا مِنْ قَوْمِكَ) الإمام البيهقي رحمه الله سبحانه.

فَلِلْرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنَ الهَيْبَةِ مَا يَجْعَلُكَ تَسْتَحِي أَنْ تَعْصِيَ أَوْ تُسِيْءَ، وَهَذَا يَقُوْدُكَ إِلَى الاسْتِحْيَاءِ مِنَ اللهَ جَلَّ فِي عُلَاهُ وَأَنْعِمْ وَأَكْرِمْ وَأَعْظِمْ بِهَا مِنْ فَائِدَةٍ.

ثمّ ما المانع من تصوّر صورة الشيخ ليذكر المتصوّرُ اللهَ جلّ وعلا، ألم يقل سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه:

(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى —) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد عزّ شأنه.

قال الإمام السندي رحمه الله تعالى:-

(لِمَا فِي وُجُوْهِهِمْ مِنْ سِيْمَا الصَّلَاحِ وَأَنْوَارِ الذِّكْرِ).

لأنّ الرؤية بصرية وقلبية، وهذا معلوم عند أهل الذوق واللغة.

ولقد ذكر ذلك الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في شرحه لحديث الأعمى في قوله «يا محمد يا نبيّ الله» قال:-

(هَذَا وَأَمْثَالُهُ نِدَاءٌ يُطْلَبُ بِهِ اسْتِحْضَار المُنَادَى فِي القَلْبِ، فَيُخَاطِبُ الشُّهُوْدَ بِالقَلْبِ: كَمَا يَقُوْلُ المُصَلِّي «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَالإِنْسَانُ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا كَثِيْرًا، يُخَاطِبُ مَنْ يَتَصَوَّرُ فِي نَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الخَارِجِ مَنْ يَسْمَعُ الخِطَابَ) انتهى.

وقال أيضا:-

(فَإِنَّك إذَا أَحْبَبْت الشَّخْصَ لِلَّهِ كَانَ اللَّهُ هُوَ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ فَكُلَّمَا تَصَوَّرْته فِي قَلْبِك تَصَوَّرْت مَحْبُوبَ الْحَقِّ فَأَحْبَبْته فَازْدَادَ حُبُّك لِلَّهِ، كَمَا إذَا ذَكَرْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَصْحَابَهُمْ الصَّالِحِينَ وَتَصَوَّرْتهمْ فِي قَلْبِك فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْذِبُ قَلْبَك إلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ وَبِهِمْ إذَا كُنْت تُحِبُّهُمْ لِلَّهِ فَالْمَحْبُوبُ لِلَّهِ يُجْذَبُ إلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَالْمُحِبُّ لِلَّهِ إذَا أَحَبّ شَخْصًا لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَحْبُوبُهُ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَجْذِبَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكُلٌّ مِنْ الْمُحِبِّ لِلَّهِ وَالْمَحْبُوبِ لِلَّهِ يُجْذَبُ إلَى اللَّهِ) مجموع الفتاوى (10/608)

3- الرابطة الشريفة وسيلة وليست مقصودة لذاتها، وإنّما الغاية والمقصود هو ذكر الله جلّت صفاته.

وأروي عن شيخي طيّب الله تعالى روحه وذكره وثراه (حضرة الشيخ الدكتور عبد الله الهرشمي) قوله:-

(تبدأ عملك الروحي بالرابطة الشريفة معي، فإذا ارتقيتَ إلى رياض ذكر الله تعالى فلا شأن لك بأحد).

فهذا تأكيد على أنّ الرابطة الشريفة وسيلة وليست مقصودة.

4- تصوّر السالك لصورة شيخه أمر غير لازم في معنى الرابطة الشريفة، بل هو أسلوب من أساليب الانتفاع من روحانية المرشد، ولزيادة الفائدة أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1048) في هذا الموقع الكريم.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّ اللهمّ على الرحمة العظمى والمنّة الكبرى سيدنا محمد، شفيعنا في الآخرة والأولى، وعلى آله وصحبه الذين نالوا من شمس قلبه الشريف النصيب الأعلى.