2014/05/23

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة مباركة معطرة بالصلاة على المصطفى الحبيب الذي بذكره الخاطر يطيب وعلى آله وصحبه وسلم.

أمّا بعد:

فأسأل عن صحة شيخنا الطيّب العزيز راجيًا من الله أنْ يكون في تمام الصحة والعافية، وراجين منه دعاءً طيّبا، علنا نهتدي ونخشى. وبعد: فأنا خادمكم إنْ شاء الله أسأل الشيخ حفظه الله معلومات عن جهاد النفس وأتمنى أنْ يتكلم لنا عن كلّ ما يتعلق به، شاكرين له مقدما ومؤخرا كلّ الشكر، وأتمنى أننا لا نزعجكم بكثرة الأسئلة وطرحها في هذا الموقع المبارك العفوي المفيد، وجزاكم الله خيرا..

 

الاسم: abdalwadood

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أشكرك على تواصلك مع هذا الموقع المبارك وسؤالك عني، وأسأل الله جلّ في علاه أنْ يوفقك وسائر المسلمين لما يحبه ويرضاه بجاه حضرة خاتم النبيين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين إنّه سبحانه لا يرد سؤال السائلين.

قال العليم جلّت حكمته:-

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [سورة الشمس: 7 – 10].

وقال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ) الإمام أحمد رحمه الرب الصمد تقدّس شأنه.

تزكية النفس فرض عين ولا تتمّ إلّا بالمجاهدة وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.

والنفس الإنسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عاداتها المذمومة، وإلّا لم تكن هناك فائدة مِن إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب، وإذا كان ترويض البهيمة -أجلّكم الله تعالى- حاصلا ومتحققا، فالإنسان الذي كرّمه الله تبارك اسمه وخلقه في أحسن تقويم، من باب أولى.

والمراد من مجاهدة النفس تسييرها على مراد الله جلّ وعلا وابتغاء مرضاته، وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه قال ربّنا جلّ جلاله:-

{— إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوْءِ —} [سورة سيّدنا يوسف عليه السلام: 53].

وقال تقدّس وعلا:-

{كَلّا إنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أنْ رآهُ اسْتَغْنَى} [سورة العلق 6 – 7].

والمسلم إذا تيقّن من ذلك، أقبل على نفسه يفطمها، ويلزمها الطاعات والقربات، فهي في أصل خلقتها طاقة شريرة ومأوى كلّ سوء.

قال الله عزّ شأنه:-

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة المائدة: 30].

وقال سبحانه:-

{— وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [سورة طه: 96].

ولهذا كان حضرة النبيّ المعصوم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم يعلّمنا الاستعاذة من شرورها فكان يقول في خطبة الحاجة:-

(وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا) الإمام الترمذي رحمه الله عزّ كماله.

وَعَنْ سَيِّدِنَا عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:-

(قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي: يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا؟ قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي) الإمام الترمذي رحمه الله عزّ وجلّ.

ووجّه إلى دوام محاسبتها فقال:-

(الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ) الإمام الترمذي رحمه الرحمن جلّ وعلا.

ومعنى دان نفسه حاسبها، ولهذا قيل:-

النفس كالشريك الخوّان إنْ لم تحاسبه ذهب بمالك.

ولهذا فقه سلفنا وعلماؤنا رضي الله تعالى عنهم وعنكم هذه الحقائق، فقد جاء في وصية سيّدنا أبي بكر الصديق إلى سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله سبحانه عنهما لما استخلفه:-

(إِنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ نَفْسُكَ الّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ).

وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله عزَّ شأنه:-

(أَفْضَلُ الجِهَادِ جِهَادُ الهَوَى).

وقال الإمام مالك بن دينار رحمه الحق جلّ جلاله:-

(رَحِمَ اللهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟! أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟! ثُمَّ ذَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، فَكَانَ لَهُ قَائِدًا).

وقال سيّدنا ميمون بن مهران رحمه الله تبارك اسمه:-

(لَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ تَقِيًّا؛ حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ مُحَاسَبَةَ شَرِيْكِهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ وَمَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ).

وقال سيّدنا يحيى بن معاذ رحمه الحق عزّ وجلّ:-

(أَعْدَاءُ الإِنْسَانِ ثَلَاثَةٌ: دُنْيَاهُ، وَشَيْطَانُهُ، وَنَفْسُهُ، فَاحْتَرِسْ مِنَ الدُّنْيَا بِالزُّهْدِ فِيْهَا، وَمِنَ الشَّيْطَانِ بِمُخَالَفَتِهِ، وَمِنَ النَّفْسِ بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ).

وللفائدة يراجع كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رحمه الربُّ المتعالي، وكتاب المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوى رحمه الله سبحانه، والمشاركة المرقمة (163) في هذا الموقع الكريم.

والله جلّ جلاله وعمّ نواله أعلم.

وصلّى الله جلّ ثناؤه على أزكى النفوس وأعلاها سيّدنا مُحمّد خير البرايا وأسناها، وعلى آله وصحبه الذين طوّعوا نفوسهم لله تعالى فكانوا خير أمّة للناس ولله سبحانه أرضاها، ما تنفّس الصبح وأشرقت الشمس بسناها.