السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

هل استحضار التلميذ لشيخه أثناء الذكر يكون فيه شبهة إساءة أدب مع الله؟ وما معنى قول أحد سادتنا في شيخه:

عَجِـبْـتُ مِنْكَ وَمِنِّي *** أَفْنَيْتَنِي بِكَ عَنِّي

أَدْنَـيْـتَـنِي مِنْكَ حَتَّى *** ظَنَنْتُ أَنَّـكَ أَنِّـي

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

إنّ استحضار التلميذ لشيخه أثناء الذكر لم يقل به أحد فيما أعلم، إنّما يكون ذلك قبل الذكر، فالتفكّر في مخلوق أيًّا كان سبيلٌ لذكر الله تبارك اسمه ووسيلة إليه:-

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [سورة آل عمران عليهم السلام: 190-191].

وقال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إِذَا رُؤوا، ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) الإمام ابن ماجه رحمه الله جلّ في علاه.

وما شابهها من آيات الكتاب العزيز والسنّة النبوية الشريفة.

فالنصوص تربط بين الفكر والذكر، سواء فكّرت في نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم، أو وليّ مرشد رضي الله تعالى عنهم، أو متدبّرًا عجائب قدرة الله عزّ وجلّ في البحار وعوالمها، والنبات وأنواعه، والسماء ونجومها وكواكبها، قال سبحانه:-

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام: 59].

أو تأمّلتَ مخلوقًا معنويًا كالموت والحياة، فلا توصف بإساءة الأدب في هذه الحالة بل تكون ملتزمًا بأمر الله جلّ في علاه وأمر رسوله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه القائل:-

(أَكْثِرُوْا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَاتِ) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

وهذه صلاتنا التي هي عماد ديننا من حِكَمِهَا الكبرى ذكر الله عزّ شأنه:-

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه: 14].

فإنّا نذكر فيها على وجه التحديد سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، وسيّدنا إبراهيم عليه السلام، وعلى وجه الإطلاق عموم الصالحين وذلك في جلسة التشهّد، فإثارة شبهة أنّ ذكر غير الله تبارك في علاه لا يجوز بهذا الإطلاق هو ديدن مَنْ نسأل الله جلّ وعلا لهم الفقه والهداية، المهم أنّ المسلم إذا وفّقه الله عزّ وجلّ فعَرَجَ إلى منازل ذكر الله سبحانه ينبغي عليه أنْ يستقيم في حضوره شاكرًا ربّه جلّ ذكره على ألطافه، وأنْ لا يجعل ذكر غير الله تعالى هدفه وغايته العظمى.

ولمعرفة المزيد أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1180) في هذا الموقع الأغرّ.

أمّا الشعر الذي ذكرته فهو يمثل حالًا من أحوال التلميذ مع شيخه، وحبّه له، والاقتداء به، والتحابّ في الله عزّ وجلّ من أسباب تذوّق حلاوة الإيمان، قال حضرة النبيّ العدنان عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه أهل الفضل والعرفان:-

(ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

وصاحب الحال لا ينكر عليه ما دام هو في حدود شرع الله جلّ في علاه، ولا أظنّ أنّ قائل البيتين خرج عنها.

والله جلّت قدرته أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.