2021-04-03
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي الفاضل شيخي الحبيب.
السؤال حول مشروعية بناء قبة شبيه بالقبة الخضراء لحضرة النبيّ الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه.
قبل فترة ومن خلال زيارة قبر والدي رحمه الله بواسع رحمته وأنْ يسكنه فسيح جناته، وبالقرب من قبر الوالد قام بعض الأشخاص ببناء قبة لأحد القبور شبيهة للقبة الخضراء وكذلك طليت باللون نفسه فهل يوجد محذور شرعي بهذا الخصوص؟
حفظكم الله وأطال في أنفاسكم خدمة لدين الإسلام
من: سائل
الردّ:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
شكرا جزيلا على تعلّقك المبارك بهذا الموقع الطيّب، ودعواتك الكريمة، وأسأله جلّ في علاه أنْ يوفقك لكلّ خَيْر، ويدفع عنك كلّ ضَيْر، إنّه سبحانه قريب مجيب.
قبل الجواب عن سؤالكم الكريم يجب أنْ نعرف حكم الشرع الشريف في مسألة البناء على القبر.
فيها محوران:-
الأوّل:- إذا كانت المقبرة عامّة (مسبّلة)، فيحرم البناء فيها، سواء بنى قبة أو غرفة أو غير ذلك حتى لو كان مَنْ بُنِيَ على قبره شخصًا صالحًا، وذلك لنهي سيّدنا النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم الذي رواه سيّدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما إذ قال:-
(نَهى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَصَّصَ القُبُوْرُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ) الإمام مسلم رحمه المنعم سبحانه.
ولأنّ ذلك تصرّف بالمال العام بغير حق.
الثاني:- إذا كانت المقبرة خاصّة، فالبناء فيها جائز بقدر الحاجة إنْ لم يكن فيه مظاهر الزينة والتباهي؛ وذلك لأنَّه أدعى لحفظ هذا الميت خصوصًا إذا كان قبر نبيٍّ أو رجلٍ صالح، لما في ذلك من حفظ حرمتهم، وإبراز فضلهم رضي الله تعالى عنهم وعنكم.
قال الشيخ الحسين بن محمود المُظْهِري الحنفي رحمه ذو اللطف الخفيّ:-
(وَقَدْ أَبَاحَ السَّلَفُ – رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- أَنْ يُبْنَى عَلَى قُبُوْرِ المَشَايِخِ وَالعُلَمَاءِ المَشْهُوْرِيْنَ لِيَزُوْرَهُم النَّاسُ، وَيَسْتَرِيْحَ النَّاسُ بِالجُلُوْسِ فِي البِنَاءِ الّذِي يَكُوْنُ عَلَى قُبُوْرِهِمْ) المفاتيح في شرح المصابيح (2/447).
وقال العلامة سليمان البجيرمي الشافعي رحمه الله سبحانه:-
(اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوَهُمْ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: نَعَمْ قُبُورُ الصَّالِحِينَ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا وَلَوْ بِقُبَّةٍ لأَحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ) حاشية البجيرمي على الخطيب (2/297).
وفي فتاوى العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه المولى عزَّ وجلّ:-
(وَسُئِلَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَمَّا إذَا كَانَ قَبْرُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَلَى الْقَبْرِ قُبَّةٌ وَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ بِجَنْبِهِ فَضَاقَ الْمَوْضِعُ إلَّا بِنَقْضِ شَيْءٍ قَلِيلٍ مِنْ الْقُبَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقُبَّةُ مَبْنِيَّةٌ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ الْهَدْمَ فَلِكُلِّ أَحَدٍ هَدْمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ وَحْدَهُ وَلَمْ تَكُنْ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ هَدْمُهَا لِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ الدَّفْنِ بِجَانِبِ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) الفتاوى الفقهية الكبرى (2/7).
وينبغي أنْ يُعْلَمَ أنَّ هذه المسألة فقهية اجتهادية تتعلّق بالحلال والحرام وليست مسألة عَقَدَية تتعلّق بالإيمان والشرك -عياذًا بالله تعالى- كما يتصوّرها ويصوّرها بعض الناس، فهذا غلوّ وخروج عن طريقة أهل العلم في الاستدلال وفي إصدار الأحكام.
أمّا الجواب عن سؤالكم الكريم وهو أنْ تُحاذى قبة سيّد الوجود، ومنبع الكرم والجود، عليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام، وعلى آله وصحبه الكرام، التي تيّمت قلوب العاشقين، وزادتهم شوقًا وتوقًا لحضرته صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه أجمعين، فهو المنع ولا ينبغي فعله لأنّها صارت شعارًا على مسجد الرسول الأعظم وقبره الشريف، صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلَّم، لتبقى فريدة في هذا الوجود، مبرِّزَة لبعض معالم تعظيم شعائر الله جلّ في علاه القائل:-
{لتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سورة الفتح: 9].
وقال عزّ شأنه:-
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [سورة الحج: 32].
فأقول لك أيَها السائل الكريم ولمَنْ يقرأ هذا الجواب ولنفسي الخاطئة المذنبة:-
يجب على كلّ مَنْ يرى هذا التقصير والتجاوز أنْ يؤدّيَ واجبه قدر استطاعته في إزالته حسب الضوابط الشرعيّة القائمة على الحِكْمَة وعدم إثارة فتنة.
فجزاك الله جلّ وعلا خيرًا على نقل هذه الملاحظة لأداء الواجب تجاهها، وقد زاد سؤالك دواعي الحنين لزيارة سيّد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه أهل الذوق، والغَيْرة على قبّته التي لا مثيل لها في الوجود وإثارة الأشواق لصاحب اللواء المعقود في هذه الدنيا ويوم الشهود، وإليك وإلى القرّاء الكرام هذه الأبيات فلعلّها تشدوك وغيرك من المؤمنين والمؤمنات:-
هِيَ قُبَّةٌ فِيْهَا الجَمَالُ مَعَ العُلَا *** نَفْسِي الفِدَاءُ لِلَوْنِهَا البَرَّاقِ
لَوْنٌ بِهِ سِرُّ الحَيَاةِ مَعَ الهُدَى *** وَهِيَ الحَبِيْبَةُ لِلْفَتَى المُشْتَاقِ
كَمْ هَامَ قَوْمٌ حِيْنَ بَانَ ضِيَاؤُهَا *** وَأَنَارَ عَيْنَ العَاشِقِ التَّوَّاقِ
فَتَطَايَرَتْ أَرْوَاحُهُمْ نَحْوَ الَّذِي *** أَحْيَى الحَيَاةَ بِشِرْعَةِ الخَلَّاقِ
فَعَلَيْهِ صَلَّى ذُو الجَلَالِ وَذُو البَهَا *** فَهُوَ الحَبِيْبُ وَرَاحِمُ العُشَّاقِ
وأرجو مراجعة السؤال المرقم (150) في هذا الموقع الميمون؛ لتعلّقه بمسألة البناء على القبور.
والله جلَّ جلاله وعمَّ نواله أعلم.
وصلّى الله تعالى وسلَّم، على الحبيب المكرَّم، والشريف المقدّم، وعلى آله وصحبه وشرَّف وعظَّم.