2020-11-23
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيّدي إن شاء الله تعالى تكونوا بخير وصحة وعافية سؤالي شيخنا: أختي متزوجة، ولديها ثلاثة، ولد وبنتان في مرحلة المراهقة وهي على أبواب الطلاق تحمّلت زوجها 12 سنة من المشاكل، ولا تستطيع التحمّل أكثر، تسأل ما هو الواجب الشرعي والمسئولية التي تقع تجاه الأب والأم من كلّ النواحي؟ وهل عليها إثم إذا تركت الأولاد؟ مع الشكر.

من: سائل

الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
من دواعي فرحي أنّكم متابعون لهذا الموقع النافع، وأسال الله جلّت قدرته أنْ يمنّ عليكم بالتوفيق والسداد إنّه سبحانه وليّ ذلك والقادر عليه، وبعد:-
الأصل أنّه لا يجوز للزوجة أنْ تطلب الطلاق إلّا إذا وجد سبب قاهر لذلك، قال الرسول الكريم عليه وآله من الله تبارك اسمه أفضل الصلاة والتسليم:-
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) الإمام أبو داود رحمه المعبود سبحانه.
ولكن يجوز للمرأة طلب الطلاق إذا وقع عليها ضرر بالغ من زوجها، وهذا الضرر لا يُحتمل، وأنّ جميع الوسائل قد استنفدت في رفع الضرر وإصلاح الزوج، والحياة أصبحت معه مستحيلة، وهذا الأمر يُقدّره ذوو الاختصاص من العلماء والحكماء؛ فقد تدّعي الزوجة ذلك لأمور بسيطة وعادية.
والشريعة الغرّاء ضيّقت أبواب الطلاق وجعلته آخر العلاج؛ ذاك أنّ ضرره كبير وخطره وخيم على الزوجين والأولاد والمجتمع، كما لا شكّ أنّه يعود بالألم والأسى على عائلة الزوجين وأحبابهما، وينبغي أنْ أؤكد أنّ الخاسر الأكبر من الطلاق هم الأولاد؛ إذ يغدوا أولاد المطلقين والمطلقات يتامى حُكمًا؛ وفي هذا من الضرر والأسى حاضرا ومستقبلا ما الله تعالى به أعلم.
ولمزيد بيان حول أضرار الطلاق وعواقبه الوخيمة على الزوجين والأولاد والمجتمع أرجو مراجعة جواب السؤالين (2345، 2637) وما أحيل فيهما من أجوبة في هذا الموقع المبارك.
وينبغي العلم أنّ الأولاد في هذا العمر هم بحاجة ماسّة للأم كما الوالد، وأخصّ بذلك البنات، إذ يجب على الزوجة الأمّ أنْ تتفكّر قليلا وتعلم بأنّ بناتها بعد فترة سيبلغنَ سِنَّ الزواج، ومن المعلوم أنّ مسألة الطلاق ستؤثر على حالتهنّ الاجتماعية والنفسية.
فعلى الزوجة أنْ تتقي الله جلّ وعلا، وتصبر وتحتسب لله عزّ وجلّ، ولتتذكّر النساء الصالحات اللواتي صبرْنَ من أجل أبنائهنّ، فجزاهم الله تبارك اسمه بصبرهنّ أنْ أصلح أزواجهنّ، ورأينَ بلوغ أولادهنّ أعلى الدرجات في صلاح الدِّين والدنيا، ولهنّ بالطبع في الآخرة أجر عظيم؛ فلن يضيّع الله تقدّست أسماؤه أجر من أحسن عملا، قال الله سبحانه:-
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [سورة الشورى: 43].
وعلى وفق ذلك ينبغي للأم أنْ تبذل ما في وسعها للصبر والمحافظة على كيان الأسرة ومتابعة أولادها وإلّا ستقع حتما في الإثم الكبير إذ قصّرت في واجبها العظيم تجاههم وكانت سببا في فقد الأمّة لبعض طاقاتها.
ومسؤولية الحفاظ على الأسرة لا تقتصر على الزوجة فقط بل على الزوج أيضا على نحو أكيد، إذ أنّه يتحمّل الوزر الكبير في حالة تقصيره وإهماله المؤدي إلى تفكيكها وضياع أبنائها، قال الرحمة المهداة صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-
(أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.
وقال:-
(كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) الإمام أبو داود رحمه الودود سبحانه.
وفي بيان بعض مسؤولية الأبوين تجاه أولادهما أرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (335، 946) في هذا الموقع الكريم.
والله عزّ شأنه أعلم.

أسال الله جلّ جلاله وعمّ نواله أنْ ينعم على جميع الأُسر بالسكينة والسعادة والاعتصام بهدايات الشريعة الإسلامية الغرّاء.
وصلّى الله تعالى على أفضل الأزواج والآباء، سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه الأوفياء، وسلّم تسليمًا كثيرًا ما دامت الأرض والسماء.