19/2/2022

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

جزاكم الله تعالى عنّا خير الجزاء سيّدي وتاج رأسي أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يحفظكم بحفظه ويرعاكم برعايته وأن يجعلنا خير تبع لكم ويمدّكم بمدده ويقويكم بقوته.

السؤال:-

ما هي مراتب النفس؟

 

الاسم: عبد الله القاسمي

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

شكرا جزيلا على تعلّقك المبارك بهذا الموقع الطيّب، ودعواتك الكريمة، وأسأله جلّ في علاه أنْ يوفقك لكلّ خَيْر، ويدفع عنك كلّ ضَيْر، إنّه سبحانه قريب مجيب.

الجواب باختصار:-

ليس للنفس مراتب بل صفات وهي:-

الأمّارة بالسوء                              اللوّامة                               المطمئنة
الملهمة                                      الرّاضية                              المرضيّة
                                                الكاملة.

ولقد استنبطها العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم من نصوص الكتاب الكريم والسُنّة المُشرّفة، وهي من بعض ادلتهم لبيان أنّ النفس الإنسانية بفضل الله تعالى قابلة للتزكية والتغيير. يُنظر: المنقذ من الضلال للإمام الغزالي رحمه الله تعالى، ص151، التربية الإسلامية لمحمد منير مرسي ص171.

التفصيل:-

لقد وردت في الشريعة الغرّاء النفس البشرية وبيّنت أنّها واحدة بذاتها، متعدّدة بصفاتها، وفيما يأتي بيان تلك الصفات:-

أوّلًا: النّفس الأمّارة بالسوء.

هي القوّة الدافعة إلى الشهوات والأمّارة بالسوء. ومظهر ارتباطها بالجسد غدّة في الثالث من تجاويف الدماغ قبالة ما بين العينين من الجبهة تقريبا. والغدّة قابلة للتكلّس المادي دون أن تكون قد ماتت بعد. معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي ص275 – 276.

قال جلّ جلاله حكايةً:-

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة سيّدنا يوسف عليه السلام: 53].

 

ثانيًا: النّفس اللوّامة.

قال تبارك في علاه:-

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [سورة القيامة: 1 – 2].

وهي النّفس التي أخذت تُدرك حقيقة المجاهدة فبدأت بها، ولقرب عهدها بالنّفس الأمّارة فهي تُطيع الحقّ مرّة وتعصيه أخرى، ثمّ تندم فإذا تنوّرت فعلت الخير ولامت حالها على عدم الاستدامة عليه، وإذا فعلت الشّر لامت صاحبها على فعله عند انتباهتها.

 

ثالثًا: النّفس المطمئنة.

وهي النّفس التي ارتقى حالها وتنوّرت بنور الإيمان الذي وقر في القلب بفعل الخير والنّدم على فعل الشّر، وبدأت تتخلّص من الصّفات الذّميمة، واطمأنت بالذّكر، وطمأنينتها راحتها وسكونها وخلوها من القلق والاضطراب.

قال الله جلّ وعلا:-

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرعد: 28].

 

رابعًا: النّفس المُلهمة.

والإلهام هو إلقاء معنًى في القلب، يطمئنّ له الصدر، يخصُّ الله جلّ وعلا به بعض عباده وأصفيائه.

وهذه الصفة ثمرة من ثمار مجاهدتها حتى غدت مهتدية.

قال جلّ ذكره:-

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69].

ويمكن أنْ يُفهم من قوله جلّ جلاله (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) أنّه ألهمهم الهداية، وأرى تسميتها بالنفس المُهتدية أولى من المُلهمة، ولعلّ تسميتها بالمُلهمة من قبل السادة العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم كون هذه النفس غدت مُلهمة التقوى والخير فاكتسبت فضائل أخلاقية جمّة، منها التواضع والصبر والقناعة. يُنظر: تفسير الماتريدي رحمه الله جلّ وعلا (10/542).

 

خامسًا: النّفس الرّاضية.

وهي النفس التي آمنت بالله عزّ وجلّ وقدره خيره وشرّه فرضيت عن الله تباركت أسماؤه في مشيئته وأقداره، فتحلّت بالتسليم المطلق.

قال عزّ من قائل:-

{— رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [سورة البينة: 8].

 

سادسًا: النّفس المرضية.

وهي التي رضي الله عزّ وجلّ عنها بسبب رضاها، والغالب عليها الإخلاص والذّكر والكرامة والطّهارة من شوائب حبّ الرياسة والسمعة.

قال تعالى:-

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [سورة الفجر: 27 – 30].

 

سابعًا: النّفس الكاملة.

ولا أعني به الكمال المطلق الذي هو لله وحدّه جلّ جلاله وعمّ نواله، بل الكمال الجزئي الذي يليق بالبشر، حيث تصير الكمالات طبعًا أصيلًا في هذه النّفس، وتترقى في هذا المقام، وغالبًا ما يكون صاحبها مرشدًا للنّاس، ودليلًا إلى الله جلّ في علاه. يُنظر: الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية للشيخ محمد بن علان الصديقي (3/49).

ولا ترقى هذه النّفس إلّا على يد مرّبٍ مرشد كامل رضي الله تعالى عنه، يَعِرف مقامات الطريق، وآفات النفس، ومداخل الشّيطان، وينأى بمريده عن دروب الشرّ والفساد، إلى دروب الخير والإحسان.

قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) الإمام البخاري رحمه الله جلّ وعلا.

ومن الضروري لمزيد فهم واطلاع حول الموضوع قراءة كتاب معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي لسيّدي وسندي حضرة الشيخ الدكتور عبد الله مصطفى الهرشمي طيّب الله تعالى روحه وذكره وثراه ونفعنا بروحه العظيم في الدنيا والبرزخ والآخرة، خاصّة الفصل الخامس عشر الذي يحمل عنوان: أعمال القلوب، صفحة 273.

ومراجعة باب الذكر والتزكية والسلوك لا سيما جواب السؤالين المرقمين (1870، 2819) في هذا الموقع الأغرّ.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى على النبيّ العدنان، سيّدنا محمّد، وآله وصحبه أولى الفضل والإحسان، وسلّم تسليمًا كثيرًا.