10/3/2022

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

حضرة سيّدي الشيخ زادكم الله جلّ في علاه نورًا وبركة ونفعًا، وجزاكم الله تعالى عنّا وعن المسلمين خير الدنيا والآخرة، وبورك موقعكم المبارك هذا وجعله من مصادر النور والهداية لكلّ ضال عن طريق الصواب. آمين يا أرحم الراحمين.

سيّدي وقرّة عيني هل يحقّ للزوج أنْ يجبر زوجته إذا كانت موظفة على الإنفاق على نفسها وعيالها، أو إجبارها على أخذ راتبها بحجة أنّه محتاج لشراء بيت أو سيارة أو الخ؟

علمًا أنّها غير مقصّرة في الإنفاق منه، وهي كريمة سخيّة على بيتها وأبناءها لكنّه يتمادى في الجبروت ويهدّدها بشتّى التهديدات ويقول لها: أنت زوجة غير صالحة لأنّك لا تعطي كلّ راتبك لأتصرّف به..

والسؤال الآخر: هل يجوز أن تتحمّل الزوجة كلّ أعباء المنزل بحجّة أنّها موظفة ولديها راتب ولا يساهم الزوج بأيّ شيء، وإذا لم يعطها أيّ حقّ من حقوق الزوجية هل للزوجة أنْ تمنع نفسها عنه؟ 

وقد رأينا من هؤلاء النساء الكثير يستفتين ويطلبن الفتوى.  لذلك نحب أنْ نعرف رأي الشرع الشريف في هذه المسألة سيما ونحن لا نملك سوى أن نزهدهن في الدنيا ونرغبهن في الآخرة للحفاظ على البيوتات من الطلاق …

ولكم جزيل الشكر والتقدير والاحترام

 

 

الاسم: ام عبد الله من الفلوجة

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

شكرا جزيلا على تعلّقك المبارك بهذا الموقع الطيّب، ودعواتك الكريمة، وأسأله جلّ في علاه أنْ يوفقك لكلّ خَيْر، ويدفع عنك كلّ ضَيْر، إنّه سبحانه قريب مجيب.

 

الجواب باختصار:-

قال الله جلّ جلاله:ـ

{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [سورة آل عمران عليهم السلام: 195].

إنّ من عظمة الإسلام وشمولية تشريعاته العادلة أنْ جعل للزوجة تصرّفها المالي الخاص.

قال نبيّ الرحمة صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:ـ

(إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) الإمام أحمد رحمه الله تعالى الممجد.

وليس للزوج حقّ إجبارها على إنفاق مالها على نفسها أو أولادها أو بيتها أو عليه لأنّ النفقة واجبة على الزوج في شريعتنا الغرّاء، ولكن لا ينبغي أنْ تكون العلاقة بين الزوجين بهذا الجفاف والقسوة وإنّما تبنى البيوت بالحبّ والرحمة والتعاون، ولا بأس أنْ تنفق الزوجة على بيتها من مالها حبًّا وكرامةً على النحو الذي يُفرح قلب الزوج ويمنعه من السؤال والخصام خصوصًا وقد تنازل عن بعض حقوقه بغياب المرأة لعملها خارج الدار، وما يتبع ذلك من خلل طبيعي في بعض أحوال الأسرة.

التفصيل:-

لقد أمر الله تبارك اسمه أنْ تكون العلاقة بين الزوجين في هدايات النصوص الشريفة، ومنها قوله جلّ جلاله:-

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].

والمودّة والرحمة تتنافى مع الجفوة والقسوة المصاحبة للخصام والنزاع المتعلّق بالأموال؛ فهذا لي وهذا لك، وينظر الزوجان لما يكسبه الآخر وما يدّخره أو ينفقه وكأنّهما أعداء، بينما هما كنفس واحدة يكمّل أحدهما الآخر، كيف وقد خلق الله تعالى منهما مخلوقًا ينتمي إليهما وهو الولد الذي ينبغي أنْ ينشأ في جوٍّ من المحبّة والألفة والسكينة وإلّا تركبت فيه أمراض نفسية سرعان ما تتحوّل إلى أمراض أخلاقية مستعصية فنكون قد قدمنا للمجتمع أطفالا ربما يكونوا عالة عليه في المستقبل.

وكيف تكون حياة الأسرة إذا كانت مبنيّة على الخوف والتهديد والوعيد، وأين هذا من المودّة والرحمة والإكرام الذي وصّى به خير الأنام عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام بقوله:-

(إِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ عَلَى أَهْلِكَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّكَ تُؤْجَرُ فِيهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ) الإمام أحمد رحمه الودود عزّ شأنه.

ولا ينبغي للزوج أنْ يجبر زوجته لتنفق من مالها، أو يأخذه منها بالإكراه.

ولمزيد إطلاع أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1950) وما أحيل فيه من أجوبة في هذا الموقع الميمون.

ولكن في جوّ الكلمة الطيّبة والمحبّة الصادقة يستطيع الزوجان أنْ يتعاونا في بناء الأسرة وتربية الأطفال، وعندئذ تبذل الزوجة مالها بطيب نفس.

قال الحق تباركت أسماؤه:-

{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سورة النساء: 4].

وللزوجة المؤمنة المنفقة على بيتها وزوجها أنْ تطيب نفسًا بما تُنفق فإنّ لها أجرًا مضاعفًا، أجر الإنفاق، وأجر الصلة.

فعَنْ سيّدنا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه قال:ـ

(جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قِيلَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَعَمْ، ائْذَنُوا لَهَا، فَأُذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَنَا الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ. زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى الديان.

وما أجمل ما قيل عن اللغة العربية إذ فيها لطائف الإشارات قبل أنْ يتمّ تنقيط الحروف.

فالزوجة إذا سُئلت مَنْ هذا؟ كانت تُجيب زوجي، ولكن عندما تكتبها فإنّها تكتب: روحي.

فتقرأ الكلمة روحي لعدم وجود النقط، وهكذا عندما يُسأل عن رجل بصحبة امرأة هي زوجته، فيُقال له: زوجها، وعندما تكتب الكلمة تُكتب روحها.

فروحي وروحها هكذا ينبغي أنْ تكون العلاقة بين الزوجين.

فأوصي الزوجة الكريمة بالصبر والدعاء وحسن المعاشرة لزوجها، ولتجتهد لتكسبه بحسن خلقها وتبسّمها، ولتحرّك مشاعره بكلّ ما هو طيّب وجميل، ولا تبتعد عنه أو تمنع نفسها منه، فذاك ممّا نهى الشرع الشريف عنه.

وأرجو في ذلك مراجعة جواب السؤال المرقم (2734) في هذا الموقع المبارك.

كما وأوصي الزوج بتقوى الله جلّ وعلا وحسن المعاملة لزوجته واحترامها ومراعاة مشاعرها، والحفاظ على الودّ والرحمة التي جعلها الله سبحانه بينهما، وإكرامها فإنّ إكرام المرأة دليل على الكرم والنبل، وإهانتها دليل على الخِسّة واللؤم، قال النبيّ الكريم عليه وآله وصحبه أفضل صلاة وتسليم:-

(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) الإمام الترمذي رحمه الله جلّ في علاه.

وقال أيضًا:-

(وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) الإمام البخاري رحمه الله جلّ جلاله.

ولا ينبغي أنْ يمنع الزوج نفسه عن زوجته أو يمنعها حاجتها، وفي هذا الباب أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (2603) في هذا الموقع الكريم.

كما إنّ من تقوى الله عزّ وجلّ ترك النظر للمحرّمات بكلّ الطرق والوسائل.

قال عزّ من قائل:-

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [سورة النور: 30].

فالنظر للمحرّمات يضعف العلاقة الزوجية وقد يكون سببًا لهدمها نعوذ بالله جلّ وعلا من ذلك.

وأرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1809) في هذا الموقع الميمون.

أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أنْ يمنّ عليكم بالتقوى، ويرفع همّتكم لما فيه خيركم في الدنيا والأخرى، إنّه سبحانه وليّ ذلك والقادر عليه.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى على الرحمة المهداة سيّدنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.